وحدة الطبيعة في الميلاد

من الذي ولدته العذراء ؟ هل ولدت إلهاً فقط ؟ أم إنساناً فقط ؟ أم ولدت إلها وإنساناً؟ أم ولدت الإله المتجسد ؟

     من المستحيل أن تكون قد ولدت إلهاً فقط ، لأنها ولدت طفلاً رآه الكل . ولا يمكن أن تكون ولدت إنساناً فقط ، لأن هذه هي هرطقة نسطور ! ثم ما معنى قول الكتاب “الروح القدس يحل عليك ، وقوة العلي تظللك . فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله ” (لو35:1) ؟ وما معنى أن ابنها يدعى عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا (متى 23:1) : وما معنى قول اشعياء النبي “لأنه يولد لنا ولد ، ونعطى ابناً ، وتكون الرئاسة على كتفه ، ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلها قديراً ، أباً  أبدياً رئيس السلام ” (اش6:9) . إذن هو لم يكن مجرد إنسان ، وإنما كان ابن الله وعمانوئيل وإلهاً قديراً .

     والعذراء أيضاً لم تلد إنساناً وإلهاً ، وإلا كان لها ابنان : الواحد منهما إله ، والآخر منهما إنسان . لم يبق إلا أنها ولدت الإله المتجسد .

     إن المسيح . ليس ابنين ، أحدهما ابن لله المعبود، والآخر إنسان غير معبود .

     ونحن لا نفصل بين لاهوته ناسوته . وكما قال القديس أثناسيوس الرسولى عن السيد المسيح “ليس هو طبيعتين نسجد للواحدة ، ولا نسجد للأخرى ، بل طبيعة واحدة هي الكلمة المتجسد ، المسجود له مع جسده سجوداً واحداً ” .

     ولذلك فإن شعائر العبادة لا تقدم للاهوت وحده دون الناسوت ، إذ لا يوجد فصل ، بل العبادة هي لهذا الاله المتجسد .

     إن السيد المسيح هو الإبن الوحيد المولود من جوهر الآب قبل كل الدهور ، وهو نفسه ابن الإنسان الذي صار بكراً وسط اخوة كثيرين (رو29:8) . وكما قال عنه أحد الآباء إنه ولد من الآب قبل كل الدهور بغير أم ، وولد من العذراء ، في ملء الزمان بغير أب .

     ولذلك قال الرسول “لما جاء ملء الزمان ، أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة تحت الناموس” (غل40:4) .

     إذن الذي ولد من العذراء هو ابن الله ، وفى نفس الوقت هو ابن الإنسان كما قال عن نفسه.

     إن الابن (اللوجوس) قد حل في بطن القديسة العذراء ، وأخذ له ناسوتاً منها ، ثم ولدته . وليس مثلما يقول نسطور إن العذراء قد ولدت إنساناً عادياً ، وهذا الإنسان سكن فيه الله فيما بعد ، أو حل فيه ، أو صار حاملاً لله دون اتحاد طبيعي أقنومى .

****

     ولذلك فنحن نقدم العبادة لهذا المولود .

     ونقول له في تسبحة الثلاثة تقديسات ” قدوس الله ، قدوس القوى ، قدوس الحي الذي لا يموت، الذي ولد من العذراء ارحمنا ” . كما قال الملاك ” القدوس المولود منك يدعى ابن الله .

    . لقد اتحدت في المسيح الطبيعة الإلهية بالطبيعة البشرية في بطن العذراء .

     لذلك حينما زارت العذراء اليصابات قالت لها تلك القديسة العجوز .

     من أين لي هذا ، أن تأتى أم ربى إلى ” (لو 43:1) .

     وكانت مريم حبلى لم تلد بعد ، ودعيت أم الرب .

     ويقول قانون الإيمان عنه “نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد ، المولود من الآب قبل كل الدهور … الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء وتأنس وصلب عنا … وتألم وقبر وقام …

     إذن ابن الله الوحيد هذا هو الذي نزل من السماء وتجسد ، فالمركز الأصلي له هو لاهوته الذي نزل في بطن العذراء وتجسد .

     وليس كما يقول نسطور أن أصله إنسان ثم سكن فيه الله بعد ولادته !! الذي تجسد هو أصلاً ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور .

     ولذلك استطاع أن يقول ” قبل أن يكون ابراهيم أنا كائن ” (يو58:8) . والذي قال هذا هو يسوع المسيح وهو يكلم اليهود . ولم يقل لاهوتي كائن قبل ابراهيم ، وإنما قال أنا كائن مما يدل على وحدة الطبيعة فيه

مكانية الوحدة:-
إن هذه الوحدة بين الطبيعة الإلهية والطبيعة الناسوتية أمر ممكن ، وإلا ما كان ممكناً أن تتم . إنها أمر كان في علم الله منذ الأزل . كان يعرفه ويدبره بسابق عمله بما يحتاجه الإنسان من خلاص . ولذلك قال القديس بولس الرسول عن تجسد الرب يسوع : ” السر الذي كان مكتوماً في الأزمنة الأزلية . ولكن ظهر الآن وأعلم به جميع الأمم ” (رو25:16) .
بل إن أحد الآباء فيما تأمل في قول الكتاب ” ما لم تره عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على بال إنسان ، ما أعده الله للذين يحبونه ” (1 كو9:2) . وهى عبارة تقال عن النعيم الأبدي …هذا الأب قال هذا الذي لم يخطر على قلب بشر ، أن يصير الله إنساناً ويصلب ويموت ، لكي يفتدينا ويشترينا بدمه .
وقال أب آخر إن حضور الله في خليقته يكون بثلاثة أنواع : إما حضور عام بحكم وجوده الإلهي في كل مكان ، أو حضور بنعمته في قديسيه . أما النوع الثالث الفريد الذي لم يحدث سوى مرة واحدة، فهو وحدته باقنومه في المسيح ، حينما اتحدت طبيعته الإلهية بطبيعة بشرية في رحم العذراء .


طبيعة واحدة للكلمة المتجسد :
إنها طبيعة واحدة ولكن لها كل خواص الطبيعتين :
كل خواص اللاهوت وكل خواص الناسوت . فيها الناسوت لم يصر لاهوتاً ، بل ظل ناسوتاً ، ولكنه ناسوت الله الكلمة . والكلمة لم يتحول إلى ناسوت ، بل بقى كما اللاهوت مع الناسوت في الجوهر وفى الاقنوم وفى الطبيعة ، بدون انفصال .
ولم يحدث انفصال بين اللاهوت واللاهوت الناسوت في موت المسيح .
وكما نقول في القسمة السريانية عن موته ” انفصلت نفسه عن جسده . ولاهوته لم ينفصل قط عن نفسه ولا عن جسده . وهكذا نفسه وهى متحدة باللاهوت ذهبت إلى الجحيم ، لتبشر الراقدين على الرجاء … وتفتح لهم باب الفردوس وتدخلهم فيه . وبقى جسده في القبر متحداً باللاهوت .
وفى اليوم الثالث أتت نفسه المتحدة بلاهوته ، لتتحد بجسده المتحد بلاهوته وهكذا صارت القيامة .
وأمكن للإله المتجسد القائم من الأموات ، أن يخرج من القبر وهو مغلق وعلية حجر عظيم . وأمكن أن يدخل التلاميذ والأبواب مغلقة (يو19:20) .
فهل دخل من الأبواب المغلقة بلاهوته أم بناسوته ؟ أليس هذا دليلاً على وحدة الطبيعة . ومن هذا الذي خرج من القبر ؟ أهو لاهوته أم ناسوته ، أم هو المسيح الكلمة المتجسد ؟
إننا لا نتحدث هنا عن طبيعتين منفصلتين : إله ، وإنسان . فهذا التعبير يدل على اثنين لا
واحد . وتعبير اثنين لا يدل مطلقاً على اتحاد .
فالاتحاد لا يقسم إلى اثنين .
وأنا أحب أن استخدم عبارة الاتحاد للتكلم عن الذي حدث في بطن العذراء . أما بعد ذلك فنسميها وحدة الطبيعة . كذلك تعبير اثنين يوحي بالانفصال أو إمكانيته .

قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث
عن كتاب طبيعه المسيح

.