في أكثر من مناسبة تكلَّم الرب عن التزامات تبعيته، أي الإيمان به كتلاميذ يلتصقون بمعلِّمهم: يسيرون على نهجه، ويلتزمون برسالته، ويحفظون وصاياه ويُبشِّرون بها، ويُكرِّسون حياتهم له مخلِصين له حتى النهاية، وخلال مسيرتهم يحتملون الآلام من أجله متشبِّهين بمن أحبهم حتى المنتهى.

فماذا قال الرب؟
+ “إن أراد أحدٌ أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني. فإنَّ مَن أراد أن يُخلِّص نفسه يُهلكها، ومَن يهلك نفسه من أجلي (ومن أجل الإنجيل) يجدها (فهو يُخلِّصها). لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه، أو ماذا يُعطي الإنسان فداءً عن نفسه.” (مت 16: 24-26، مر 8: 34-38، لو 9: 23-25)
+ “إن كان أحدٌ يأتي إليَّ ولا يُبغض أباه وأُمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته حتى نفسه أيضاً، فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً… ومَن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي، فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً.” (لو 14: 26و27)
“مَن أحب أباً أو أُماً أكثر مني فلا يستحقني. ومَن أحب ابناً أو ابنة أكثر مني فلا يستحقني. ومَن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني. ومَن وجد حياته يُضِيعُها، ومَن أضاع حياته من أجلي يجدها.” (مت 10: 37-39)
+ “إن أردتَ أن تكون كاملاً، فاذهب وبـِعْ كل ما لك وأعطِ الفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعالَ اتبعني (حاملاً الصليب).” (مت 19: 21، مر 10: 21، لو 18: 22)
+ “كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله، لا يقدر أن يكون لي تلميذاً.” (لو 14: 33)

هذه هي إذن التزامات تبعيته:
الالتزام الأول: إنكار الذات:
ولماذا إنكار الذات، أي إزاحتها من المشهد؟ ذلك، حتى يكون المسيح الكل في الكل، الأول والآخِر، محبوباً مُطاعاً أكثر من النفس وأكثر من الأهل والعالم كله. ففي حضور الذات ومَن ينتسب إليها لا يوجد مكان لله. وفي إرضاء الذات وإكرامها والإصغاء لمطالبها والركض بها إلى فيض الخلاعة والفساد، وتخليصها من شركة الألم وعبور الباب الضيق، ضياعها وهلاكها؛ بينما مَن يرفض شهواتها ويُحطِّم كبرياءها وينفي عنها اكتفاءها وانكفاءها على ما لها ولامبالاتها بالآخر، هو في الحقيقة يحفظها من الضياع ويستبقيها إلى الأبد.
وفي الحياة المسيحية العملية، فإن التوبة والقداسة والخدمة وطاعة الوصية تبدأ وتستمر وتنمو بإنكار الذات. وحضور الذات وتألُّقها، إما أن يُعطِّل كل اتجاه نحو الله، وإما أن يزيِّف الحياة كلها. فتبقى الذات نشطة، ولكن تتنكَّر تحت عباءة رقيقة من التظاهُر بالعبادة لإرضاء الناس، أو تنسب لها كل العمل الروحي لا للنعمة. ونتيجة هذا البر الذاتي دائماً صفر. فهو جهاد فاشل لا طائل من ورائه دون اكتشاف مصدر التغيير والقوة وهو الروح القدس.
الالتزام الثاني: حَمْل الصليب:
هذا الالتزام يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالالتزام السابق: فمَن يحب نفسه لن يقبل حَمْل الصليب أو يحتمله، ولن يقتنع بضرورته وسيجتهد أن يتفاداه بكل وسيلة.
– والمعنى المباشر لحمل الصليب هو قبول الألم والعار والاضطهاد والظلم بأنواعه من أجل المسيح والكنيسة حتى إلى بذل الحياة ككل شهيد. وكان المحكوم عليه بالصَّلْب يحمل صليبه إلى مكان تنفيذ العقوبة، وهو ما جازه الرب نفسه: “فخرج وهو حاملٌ صليبه” (يو 19: 17). والمؤمن وهو يحمل صليبه يُشارِك الرب الذي تألَّم مظلوماً ولم يفتح فاه (إش 53: 7)، “وأُكمِّل نقائص شدائد المسيح في جسمي لأجل جسده، الذي هو الكنيسة” (كو 1: 24)، “لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه مُتشبِّهاً بموته لعلِّي أبلغ إلى قيامة الأموات” (في 3: 10و11). فالذين يتفادون الاضطهاد من أجل المسيح ويهربون منه طالبين اللجوء إلى حيث الراحة، ينكرون الإيمان وينسحبون من تبعيتهم للمسيح مهما قالت أوراقهم غير ذلك.
– والقديس بولس تكلَّم عن الخطوة التالية لحمل الصليب، وهي الصَّلْب مع المسيح: “مع المسيح صُلِبتُ، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ” (غل 2: 20). وقد عاش القديس بولس حياته في الإيمان مصلوباً، وقائمة آلامه سجَّلها في (1كو 4: 9-13، 2كو 11: 23-28)، ويفيض بها سفر الأعمال: سجيناً، ومضروباً، ومجلوداً، ومرجوماً إلى حافة الموت، وطريداً، ومُعرَّضاً للأخطار، في البحر والبر، من اللصوص، من اليهود ومن الأُمم، في المدينة وفي البرية، وعطشاناً ومكدوداً، ومتحمِّلاً أعباء خدمة متسعة امتدَّت إلى قارتين ولم تتوقف حتى وهو سجين في روما يُبشِّر سجانيه ويكتب للكنائس، وفي النهاية قدَّم حياته شهيداً.
– والقديس بطرس هو أيضاً عاش مُقاتلاً شجاعاً لم تهزمه أسوار السجن ولا جلدات الجلاَّدين، وقاد الكنيسة الوليدة في أورشليم واليهودية والسامرة، وبشَّر الأمم أيضاً، وكتب للمؤمنين مُشجِّعاً على احتمال الآلام تمثُّلاً بالرب (1بط 2: 19و21)، وانتظاراً لمجيئه لتمجيد قديسيه، وحَمَل الصليب حتى روما حيث سلَّم أنفاسه الأخيرة مصلوباً منكَّس الرأس. فهو نفَّذ الوصية بقبول الألم والجهاد ضد الخطية وضد محبة العالم الحاضر حتى الموت.
– وحَمْل الصليب يعني أيضاً التخلِّي عن رفاهية الحياة ومحبة المال وتعظُّم المعيشة، وبَدَلَ المغالاة في التمتُّع يكون السعي لسدِّ حاجة المعوزين اقتساماً للخيرات، ومشاركة المرضى(1) ومنكوبي اضطرابات الطبيعة والمجاعات وغيرها، بالخدمة والتبرُّع السخي برهاناً لصِدْق الإيمان. لقد صار الصليب بالفعل رمزاً لشركة الألم مع المسيح ومع الآخرين(2).
– ويندرج تحت حَمْل الصليب والصَّلْب مع المسيح أيضاً إنكار الشهوات ومقاومة الرغبات الجسدية ورفض إغراءات الحياة مهما كان الثمن: “الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات” (غل 5: 24). ويوسف احتمل ظلم الاتهام وظلام السجن الطويل، وأَبـَى السقوط السهل والمبرَّر، وهاله أن يصنع الشر ويُخطئ إلى الله (تك 39: 9). ويتكامل مع رفض نداءات الجسد ويساند هذه المقاومة، العبادة الجادة من نسك وصلاة وصوم وعكوف على الكلمة، تؤازرها النعمة ويُضرمها روح القداسة، فتهدأ الحروب ويسود السلام، ويمتلئ القلب بيقين النصرة في كل ما يثيره العدو.
– كما يعني حَمْل الصليب أيضاً احتمال المرض الطويل وألم الجسد وضعفه والتجارب الثقيلة كشركة مع المسيح في آلامه بشكر وصبر دون تذمُّر أو دمدمة وكتدبير إلهي يقصد نمو الإيمان والتوبة وضمور الميول الجسدية: “فإن مَن تألَّم في الجسد كُفَّ عن الخطية” (1بط 4: 1). وأيوب الصدِّيق في محنته الهائلة وصبره واحتماله يُقدِّم نموذجاً من العهد القديم لحمل الصليب بتسليم كامل لمشيئة الله، حتى صار مثالاً في العهد الجديد: “ها نحن نُطوِّب الصابرين. قد سمعتم بصبر أيوب، ورأيتم عاقبة الرب” (يع 5: 11). والرسول بولس تضرَّع كثيراً من أجل “شوكة في الجسد”، ولكن طُلِبَ إليه أن يحتملها، وسمع رسالة لكل مَن يجتازون مثل ضيقته: “تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تُكْمَل.” (2كو 12: 9)
– ويتصل بالمعنى السابق أيضاً احتمال رفيق الحياة أو القريب (شيخاً أو شاباً أو طفلاً) المريض أو المُعاق أو فاقد العقل أو المنحرف. وبعض هذه الآلام أقسى احتمالاً مما لو كانت في الإنسان نفسه. والتعايش معها خاصة لو امتدت طويلاً محنة قد يهون معها الموت. ولكن استحضار شركة الصليب مع المسيح هنا تملأ النفس بروح الطاعة والتسليم “لِمَن يقضي بعدلٍ” (1بط 2: 23)، والثقة في أن هذه الآلام ليست منسية قدَّام الله، وسيأتي اليوم الذي يُكافأ فيه مَن صبروا إلى المنتهى (مت 24: 13).
– وبالنسبة للخادم في خدمته، فإنَّ حَمْل الصليب هو بذل نفسه من أجل مخدوميه صلاةً وجَهداً ووقتاً واحتمالاً وصبراً وافتقاراً وملاحقةً للشاردين والمقاومين لإعادتهم إلى الحظيرة، والاهتمام بالبعيد والقريب، والغريب والضيف، والاتضاع حتى إلى غسل الأقدام طاعةً لوصية السيِّد.
الالتزام الثالث: يترك كل ما له:
نحن لا نستطيع أن نتبع إلهنا ونحن نحمل معنا أثقالنا: محبتنا لذواتنا ولميول جسدنا وللعالم والمال والأشياء. وكان تَرْك التلاميذ الأوائل للسفينة الممتلئة بالسمك الكثير وللأهل ليتبعوا يسوع (مت 4: 20و22، مر 1: 18و20، لو 5: 11)، وتَرْك لاوي لمكان الجباية (مت 9: 9، مر 2: 14، لو 5: 28)، وتَرْك السامرية لجرَّتها (يو 4: 28)؛ رمزاً للتخلِّي عن الماضي الشرير (أو المضاد للإيمان) أي للتوبة وتحوُّل توجُّه الحياة نحو المسيح. فتغيير الحياة شرطٌ واضح لنصير ضمن خاصة الرب أي تلاميذه. والشاب الغني، الذي استكثر أن يتخلَّى عن أمواله ويُوزِّعها على الفقراء(3)، أخفق أن يتبع الرب (حاملاً الصليب)، رغم نيته الطيِّبة، لأنه أحب أمواله أكثر (مت 19: 16-22، مر 10: 17-22، لو 18: 18-23). والقديس بولس، عندما تبع يسوع، حَسِبَ موقعه المرموق في الجماعة اليهودية وكل التزامه الناموسي واضطهاده للكنيسة، وهو ما كان له ربحاً وكرامةً؛ خسارة ونفاية من أجل فضل معرفة الرب وبرِّه وربحه (في 3: 4-8).
والذين يريدون “خدمة السيِّدين” باعتبارها الحل الوسط المريح الذي يتيح لهم إرضاء ذواتهم وتخدير ضمائرهم بالتديُّن الشكلي، هي مرفوضة من قِبَل الرب لأنها حل محكوم عليه بالفشل (مت 6: 24)، وطريق لا يؤدِّي إلاَّ إلى الضياع. فامرأة لوط خرجت من سدوم مع عائلتها، ولكن سدوم ظلَّت في قلبها، وكانت النتيجة وبالاً عليها (تك 19: 26). وبنو إسرائيل، الذين خرجوا من أرض مصر بذراع رفيعة، ظل اشتياقهم لا إلى أرض الموعد، وإنما إلى أرض العبودية، فبادوا جميعاً في البرية ولم يدخل منهم كنعان إلاَّ اثنان (تث 1: 35-38).
فلنحسب النفقة:
لكن يُبيِّن الرب أن الأمر في غاية الجدية، وأن الطريق إليه ذو اتجاه واحد “ليس أحدٌ يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله” (لو 9: 62)، فالنكسة أليمة والرجوع من جديد لن يكون سهلاً. من هنا فقد طلب من كل مَن يتطلَّع إلى تبعيته أن يجلس أولاً ويحسب النفقة، ليس فقط لأن يبدأ بل ليواصل المسير إلى النهاية (لو 14: 28-30).
ولكن لنلقِ رجاءنا على النعمة:
عندما تكلَّم الرب عن صعوبة دخول المتَّكلين على أموالهم إلى ملكوت الله، وأنَّ أيسر منه مرور جمل من ثقب إبرة، بُهِتَ التلاميذ جداً قائلين: “إذاً مَن يستطيع أن يخلص”، فقال لهم يسوع: “هذا عند الناس غير مستطاع، ولكن عند الله كل شيء مستطاع” (مت 19: 23-26، مر 10: 23-27، لو 18: 24-27). فالمسيح مسئول عمَّن يتبعه، وهو الذي بنعمته يسند إيمانه وجهاده واحتماله وصبره وتوبته وعبادته وخدمته. وبحسب كلماته فنحن بدونه لا نقدر أن نفعل شيئاً (يو 15: 5). ومعلِّمنا بولس يهتف: “أستطيع كل شيء في المسيح الذي يُقوِّيني” (في 4: 13). والقديس بطرس يحثُّنا أن نلقي رجاءنا بالتمام على النعمة (1بط 1: 13). والذين يُنادون باستحالة حياة القداسة وتبعية الله هم صادقون إذا كان الاعتماد في ذلك على الإرادة وحدها وضبط النفس الذاتي، فهذا بالفعل طريق مسدود نهايته الفشل واليأس؛ ولكن المسيح الذي دعانا لنتبعه، هو الذي يمسك بأيدينا ويقودنا في موكب نصرته، وهو إذ كان يقول: “احملوا نيري عليكم” (مت 11: 29) ويصفه أنه هيِّن، فذلك لأنه حالما نقبل بالنية حمل نيره يأتي هو ليحمل العبء كله عنا.
قيمة النفس:
الله وهو يُنادينا أن نتبعه، يقصد إنقاذنا من الهلاك: “لكي لا يهلك كل مَن يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية” (يو 3: 16)، مؤكِّداً أن نفس الإنسان هي أغلى ما له؛ بل هي أغلى من “العالم كله” (مت 16: 26، مر 8: 36، لو 9: 25)، وأنَّ مَن يخسر نفسه يكون قد خسر كل شيء، فماذا عنده ليُقدِّمه “فداء عن نفسه”؟ وهذه الوديعة الثمينة التي خُلِقَت على صورة الله، تستحق إذن أن يبذل من أجلها كل شيء كي تنجو من الهلاك وتنال نصيبها في المجد الأبدي.
+ + +
في الإنجيل، كما كتبه القديس لوقا، يأتي حديث المسيح عن تبعيته وحَمْل صليبه بعد مثلٍ سرده الرب، وهو على عشاء في بيت أحد رؤساء الفرِّيسيين (لو 14: 16-24). والمثل يحكي عن عشاء عظيم ومدعوين يستعفون من المجيء: هذا اشترى حقلاً، وذاك اشترى أبقاراً، وذاك تزوج؛ فيغضب رب البيت ويطلب إلى عبده أن يدعو المساكين وأصحاب العاهات من الشوارع والأزقة حتى يمتلئ بيته؛ أما الذين رفضوا الدعوة فحرمهم أن يذوقوا عشاءه. وبعد أن خرج الرب من البيت إلى الطريق قال للجموع السائرين معه شروطه عن تبعيته. فالذين يُقبـِلون إليه ويحملون صليبه تائبين سيكونون ضيوف عشاء عُرس الخروف (رؤ 19: 9)، ويتمجَّدون مع الرب في يوم مجيئه: “إن كنا نتألَّم معه لكي نتمجَّد أيضاً معه” (رو 8: 17)؛ أما المتثاقلون والمعتذرون والمترفِّعون عن حَمْل عاره (عب 13: 13) والغارقون في اللهو والهموم وغرور الغِنَى والمتمسِّكون باستقلالهم عن الرب، فلا نصيب لهم.
هذه هي دعوة الله، وهذه هي شروط تبعيته: “والسامعون يحيون”.

(1)
في الأخبار أنَّ شخصاً متوسط الحال من بوسطن اختار أن يتبرَّع بكل مدَّخراته ) مائة ألف دولار(لزرع كلية لمهاجر فقير من إكوادور قرأ قصته في إحدى الصحف، وذلك بدلاً من شراء بيت جديد أوسع من بيته الصغير الذي اكتفى به.

(2)
هكذا تأسَّست جمعيات “الصليب الأحمر” لتكون وسط الكوارث والنكبات والحروب تمد يد المساعدة والإنقاذ وتخفيف الويلات بغض النظر عن العنصر أو اللون أو الدين. وهناك مؤسَّسات تُيسِّر لِمَن يريد أن يتولَّى رعاية محتاجين لا يعرفهم وتفصلهم عنه آلاف الأميال، ولكن تشدّه إليهم وصية المسيح وحَمْل الصليب. كما صار تبنِّي أطفال العالم الفقير اليتامى أو مَن يعجز ذووهم عن إعالتهم اتجاهاً يتنامى عاماً بعد عام، ويُفرح قلب المسيح؛ بل والذين يختارون من بينهم بالذات المشوَّهين والمُعاقين جسدياً أو ذهنياً.

(3)
ولكن مؤمني الكنيسة الأولى نفَّذوا وصية الرب حرفياً، فباعوا ممتلكاتهم ووضعوا أثمانها عند أرجل الرسل، وهكذا اقتسم الأغنياء أموالهم مع الفقراء، فكانت حياتهم نوراً لكل العالم. والقديس أنطونيوس لَمَّا سمع هذه الوصية، باع كل ما كان له ووزع ماله على الفقراء ومضى إلى البرية متخلِّياً عن كل شيء ليتَّحد بالرب، فسطع نوره في العالم كله. والرهبان الذين تبعوا رسالته باعوا كل شيء وعاشوا فقراء، ومع المسيح صلبوا أنفسهم طاعةً لوصية الرب، فصارت حياتهم إنجيلاً حيًّا لكل الأجيال.